منذ حوالي عامين، كنت واقفاً مع مجموعة من الأشخاص أمام كلّية الهندسة بالإسكندرية، و كنت أتحدث عن شتى الأمور، و كان يقف بعيداً قليلاً شخصاً يلاحظني و على قميصه وجدت ما ألفت إنتباهي. “Cloudkicker“، كلاودكيكر مشروع فردي أمريكي لبِن شارب -Ben Sharp- و هو يلعب موسيقى تعرّف لاحقاً بالdjent و هي من أصناف الميتال. ذلك المشروع غير قديم و ليس الكثيرون كانوا يعرفونه في ذلك الوقت، كما أنني في ذلك الوقت كنت شديد الإعجاب بأعمال كلاودكيكر، للحظة غلب علي الظن أنّه قد لا يكون على معرفة بهويّة كلاودكيكر و أنّها مجرّد صدفة و لكن كان ذلك غير محتمل، فذهبت إليه و تحدّثت معه.
عادةً ما أري أحداً يرتدي قميص لأحد الفرق الموسيقية، تخطر ببالي أسوء الأمثلة، و لكن لا يمكنني ألا أكون متعصّباً لنوع موسيقتي المفضّل، أخشى أحياناً أن يكون مصير الروك و الميتال بمصر في أيد نحّاتين. في ذلك الوقت، تعرّفت على شادي فريد، المغنّي و لاعب الجيتار لفرقة “Disorder“, ديسؤردر فريق يسعى لعمل موسيقى Progressive، قليلاً من كلا الناحيتين؛ الروك و الميتال، و هم يوسف أمير على الجيتار، مصطفى حمّادي على البيز، عِماد سعد على الدرامز، و شادي فريد. تأسس فريق ديسؤردر في شهر نوفمبر من عام الثورة، و تكلّفوا بالتحدث عن مواضيع أكثر ذاتية عن المعتاد في فرق الروك المصرية. كما أن من أهم العناصر هو الغناء باللغة العربية بدلاً من الإنجليزية و التي قد تبدوا أحياناً أكثر ليقاً بالموسيقى لديهم، و لكن من مساعي تلك الفرقة أن تصل للجمهور و تحاول أن تتقدّم بهم بأنواع أجدد من الأصوات و الرتمات عن المنتشرة، و إن كان يتطلب ذلك في بعض الأحيان جهداً من الجمهور في تفحّص الموسيقى.
ديسؤردر فرقة مستقلّة غير مسجّلة، و يتكفّلون بذواتهم للمصاريف و العدد، فلديهم “الفيلّا” بجليم، و هي مثل ستوديو منزلي به جميع آلاتهم، و يجتمع الكثير من الموسيقيين الإسكندرانيين لديهم، كما يوفّرون في بعض الأحيان فرصاً لإنتاج موسيقى للموسيقيين الآخرين. و على لسان يوسف أمير، أن الموسيقى غير مشروطة، و ليس لها غرض محدد غير عمليّة خلق الموسيقى ذاتها، و ليس من أهدافها الأعمال و العوائد المادية في الأساس، و يتمنّى ألّا تكون كذلك في أي يوم من الأيام.
تحدِث معي مصطفى حمّادي عن العوائق التي يواجهها الموسيقيين خاصةً في مصر المتعلّقة بالماديّات و التعليم و العمل، فحتى وقت قريب، كان كل أعضاء فريق ديسؤردر طلبة جامعة الإسكندرية، و أن كلّية الهندسة رغم أنّها حركة ذكية في العالم العملي، قد عادت عليه بعوائق في التطوّر الموسيقي، و الآن و بعد تخرّجه أصبحت الأمور أصعب، في حين يؤثر عليه قرارات مثل السفر للخارج. و جاء حمّادي بمثال، حين رأي إحدى أعضاء فرقة شرموفرز في وثائقي لريد بُل يتحدّث عن أنّه ترك الدراسة بعد الثانوية العامة حتى يتفرّغ للموسيقى، و هذا مثال لأحد قرر أن يراهن بكل ما لديه على الموسيقى.
أمّا عن شادي، فتحدّث بشكل أخص عن أعمال ديسؤردر، بدايةً من “يوم الخميس“، و التي ألّفها شادي قبل نشئة ديسؤردر، و قد كتب كلماتها على قهوة، ثم عاد للبيت، و غنّاها على أربعة كوردات، و لم ينشروه حينها حتى لاحقاً بعد نشئة الفرقة بسبب إعجاب بعض الناس بالأغنية، كما أنّها كانت مكتوبة عن إثنين من أصدقائه توفّوا في حادث. أوّل تراك لفرقة ديسؤردر كفريق كامل كانت “سما“.
سما كان التراك الذي سمعته للفريق و الذي جعلني أؤمن بهم، أتذكر تلك اللحظة في أول مرة لسماعي التراك، و بعد نصف التراك تبدأ قطعة من الgroove، خليط البيز و الدرامز في تلك القطعة هو ما جعلني معجباً بديسؤردر.
سما يتصنف من خلال الغناء الذي أصنّفه بالهوائي أو الambient، و الجيتارات تتكلّف بألحان تناغمية يتقارب ذوقها لذوق الpost-rock، أمّا في النصف الآخر من التراك أو “الجروف” فالموسيقى تتشابه أكثر مع بعض فرق البروجريسف مثل Camel و King Crimson.
التراك الأخير لديسؤردر هو “عكس الإتجاه“، و من رأيي هو أفضل أعمالهم المنشورة، في التراك يتعاون أعضاء فريق ديسؤردر مع مارلينا، و هي مغنّية أيضاً من الإسكندرية، شاركت مارلينا في الغناء في عكس الإتجاه و كان أداؤها رائعاً، مما جعل التراك سريعاً محبوباً بين ما يقارب الألفي مستمع في أقل من شهر. صوت مارلينا مختلف بشدة عن صوت شادي، في حين أن شادي أكثر ميلاً لطبقات منخفضة نسبياً، فمارلينا تقترب لطبقات مرتفعة، و أحسن كلاهما في مزج أصواتهما لخلق تناغم.
يوضح في التراك أيضاً تطوّرات في ألحان و رتمات الجيتار عن التراكات السابقة، لتكون أكثر تقنية، و وجود مساحات أكبر لسولو الجيتار.
في التراكات القادمة لفريق ديسؤردر الذي يعملون عليها الآن و تمكنت من سماعها ، فهي تمثّل صوت جديد يسعون إليه و قد نضجوا موسيقياً، أصبح إتجاه الفرقة الموسيقي واضحاً، و له الكثير من صفات الروك البديل Alternative و الProgressive، و يسعون للتجريب بأنواع غير مألوفة لهم، لجعل موسيقتهم أقرب للجمهور في حين الحفاظ على مستوى من إختيارية المواضيع و آليّات عمل الموسيقى، آملون بأن حتماً سوف يقدرون على الإرتقاء بمستوى أعمالهم و التجريب في أصواتهم، بدلاً من اللحاق الأعمى بالموضة.